نصف ساحرـــ الجزء الأول

نصف ساحر

1/1/20251 min read

كان مراد يدرس علوم الحياة بكلية العلوم بجامعة القاضي عياض بمراكش. كان شابا أبيض البشرة، وسيما، وذو جسم رياضي.
في غالب الأوقات، يجتمع مع أصدقائه الخمسة بالكلية، خالد، يدرس العلوم الفيزيائية، رشيد، يدرس علوم الجيولوجية، حنان، تدرس علوم الكيمياء، حسناء، تدرس علوم الحياة، ثم فاطمة، والتي كانت تدرس علوم الرياضيات.

في الحقيقة ، هناك قصة وقعت، وبسببها أصبحوا جميعا أصدقاء، رغم إختلاف تخصصاتهم، ورغم أنهم لم يسبق لهم ان درسوا معا ، بل بعضهم ليس من نفس المدينة أصلا.

إذا كيف إلتقوا جميعا و أصبحوا أصدقاء؟ حدث ذلك في 14 من شهر أبريل سنة 2019.
جمع القدر بينهم في رحلة كانت متوجهة إلى شلالات أوزود،

آنذاك، لا أحد يعرف الآخر بإستثناء فاطمة وحنان، اللتين كانتا صديقتين منذ الطفولة.

عند وصول الجميع، إتخذ كل وجهته، فذهب مراد إلى قمة الهضبة المجاورة للشلالات، كان محبا للمغامرة و التحدي ، أما خالد، فإتجه نحو الغابة بحثا عن القردة، حيث سمع بأنه إذا قذفت عليهم بالحجارة فسيقذفون عليك الموز، و أراد التحقق من صحة هاته المعلومة، كان يحب التحقق من اي معلومة عرفها. بينما فاطمة و حنان ،توجهتا للغابة أيضا، قصد الإستمتاع بظل الشجر و خرير المياه، و إستكشاف المناطق المجاورة للشلالات. كذالك رشيد، توجه بدوره إلى الغابة ،لكن قصده مختلف تماما، فكما نعلم، هو طالب علوم الجيولوجية، و كان جد مهووس بدراسته، لدرجة أنه حتى في رحلته ،فضل الأستمتاع بإكتشاف أنواع الصخور و الحجارة الموجودة هناك، على شيء أخر. أما حسناء، والتي كانت إسما على مسمى، كان خجلها يزيدها جمالا، و كانت تحب العزلة، فإنفردت بنفسها في الغابة وظلالها.

وهكذا إتجهوا جميعا نحو الغابة، رغم إختلاف مقصدهم، بإستثناء مراد. وبينما كانت حسناء تتمشى بخطوات صغيرة وسط الغابة، سمعت بكاء طفل صغير، كان الصوت بعيدا وغير واضح، حاولت حسناء التوغل أكثر وسط الغابة، للتتبين مصدر الصوت، وكلما توغلت أكثر، أصبح الصوت أقوى، فجأة، إنقطع صوت البكاء، لكنها سمعت صوتا غريبا، وكأن شخص يكسر أغصان الشجر، خافت قليلا، وتسمرت في مكانها، نظرت يمينا، ثم شمالا، بعدها، تقدمت بخطوات صغيرة و ببطء، جمعت شجاعتها و إستمرت في التقدم لمعرفة مصدر الصوت، فإذا بها تجد شجرة ضخمة جدا، كأن عمرها آلآف السنين، جذورها تظهر على الأرض وبها ثقب كبير في أسفل جذعها، إقتربت منها، فإشتد الصوت، إقتربت أكثر، فكان الصوت قادما من الثقب الموجود بالشجرة، تقدمت نحو الثقب، وفي تلك اللحظة، بدأ صراخ قرد كان موجودا على شجرة قريبة منها،و كأنه يحذرها من شيء ما، خافت حسناء من صراخ القرد، و إبتعدت قليلا، وهي تمشي بخطواتها الصغيرة نحو الوراء، فصمت القرد، جاء قرد أخر، وبدأ باللعب مع القرد الأول، كانت حسناء خائفة، لكنها قررت أن تذهب للشجرة الضخمة ،وترى ماذا يوجد بالثقب ، ومن كان يكسر أغصان الشجر هناك، هل يوجد شخص ما داخل الشجرة؟ هل يوجد حيوان ما؟ كانت كلها أسئلة تلوح في رأسها، إقتربت أكثر نحو الثقب، محاولت إدخال رأسها لتنظر وترى ما سبب صوت تكسير الأغصان، في تلك اللحظة، بدأ القردان معا بالصراخ و القفز على الشجرة، أخرجت رأسها بسرعة موجهة نظرها نحو القردة،في تلك اللحظة، سمع كل من رشيد و خالد صراخ القردة، فتوجه خالد نحوهم مباشرة ، حتى يتيقن من هل فعلا تقذف عليك القردة الموز عندما تقذفها بالحجارة، أما رشيد فقد كان مترددا، هل يذهب نحو القردة ليعرف سبب صراخهم؟ أم يستمر في بحثه المتعلق بالحجارة و الصخور؟ لكن، بعد بضع ثوان، قرر الذهاب نحو القردة ليعرف سبب صراخهم، و هناك، يمكنه أيضا إكمال بحثه.
وصل خالد أولا، وكان سعيدا بلقائه مع القردة ،أخيرا سيتحقق بنفسه من صدق ما يقال،آنذاك، لمح و كأن شخصا ما سقط داخل الشجرة العملاقة، لكنه لم يعر ذالك إهتماما كبيرا، و ظن أنه مجرد خيال، نظر إلى الأرض حتى يأخذ منها الحجر ليقذف به القردة، لكن المفاجئة، أنه لم يجد ولا حجرا واحدا، لا كبيرا ولا صغيرا، بحث في جل الأرجاء ،لكنه لم يجد أي حجر، أنذاك، وصل رشيد، رآه خالد فتوجه إليه، قال خالد: إعذرني، هل رأيت في مكان قريب من هنا أي حجر؟ أجابه رشيد: لا، لم أرى أي حجر هنا، ولن تجده أصلا ، قام خالد بشهيق ثم تلاه نفير يدل على حزنه، سأل رشيد خالد، لماذا تبحث عن الأحجار؟ فأجابه خالد، لقد سمعت بأن القردة الموجودة بهاته الغابة، تقذفك بالموز إذا قدفتها بالحجارة، ضحك رشيد من أعماق قلبه، وقال: لا أعتقد ذالك، لكن، لا ضير من التجربة، تعالى معي، فبعد بضع دقائق، سنجد ارضا بها حجارة، لكن حجمها صغير، وليس شديدة الصلابة، تعجب خالد وقال: كيف تعلم بأنه هناك مكان آخر يوجد به حجر صغير؟
و أنه ليس شديد الصلابة؟ هل انت من سكان المنطقة المجاورة للغابة؟ تبسم رشيد وقال له: لا، أنا طالب ادرس علوم الجيولوجية، لذالك أعلم تسلسل الطبقات الأرضية، و أعلم نوع الصخور و أحجامها في كل طبقة، رد عليه خالد هذا جيد، بأي مدينة تدرس؟ أجابه رشيد، بمراكش بكلية العلوم ، فصرخ خالد لا يمكن، انا أيضا أدرس بمراكش بنفس الكلية، لكن تخصصي هو الفيزياء، يالهاته الصدفة!

وهكذا، تعارف كل من خالد ورشيد، وأثناء توجههما إلى المكان الذي به الحجارة، قال خالد لرشيد: لقد رأيت شيئا غريبا عند وصولي لهذا المكان، لكني لا أعلم هل كان مجرد وهم أم حقيقة؟ سأله رشيد، ماذا رأيت؟ فأخبره أنه كأنما رأى شخصا ما وقع في الثقب الموجود بالشجرة العملاقة ، تبسم رشيد مرة أخرى وقال له: إنك حقا غريب، كيف لبشر أن يختفي وسط شجرة؟ حتى لو وقع شخص ما داخل الثقب، سيجد الأرض، لأن مستوى الأرض ثابت، أم تعتقد أنه هناك بئر وسط تلك الشجرة؟ لكن لا بأس، يبدو أنك ممن يحبون التحقق من كل شيء، هيا بنا لنلقي نظرة في الثقب الموجود بالشجرة، لكن، عندما إقتربا من الشجرة، بدأت القردة بالصراخ مرة أخرى، في بادئ الأمر لم يفهما لماذا تصرخ القردة بذالك الشكل، ولماذا تصرخ وتقفز بتلك الطريقة، إقتربا قليلا من القردة، فصمتوا فور إبتعادهم عن الشجرة، وبعد سكوت القردة توجها مرة أخرى نحو الثقب، ثم بدأ صراخ القردة من جديد، ففكرا في نفس الوقت، هل من المعقول ان القردة تصرخ لأننا نقترب من الثقب، وتسكت عندما نبتعد، أم هي مجرد صدفة ؟ فكررا فعل ذالك مرارا و تكرارا، و كانت القردة تصرخ كلما إقتربا، فتعجب كل من رشيد وخالد لهذا الأمر، قال خالد: لا بد أن هناك أمر مريب بهاته الشجرة، وطلب من رشيد أن يستخدم هاتفه و يحوله كمصباح ،ليرو ماذا يوجد داخل الثقب، أخرج رشيد هاتفه و حاول إستعماله ليرى ما هو السر وراء صراخ القردة عندما يقتربون من الثقب، لكن المحاولة بائت بالفشل، ولم يرو سوى الظلام القاتم، و كأن داخل الثقب بئر لا حدود له، ذهب خالد و أحضر غصنا طويلا، وأخبر رشيد بأنه عليهم ربط هاتفه بالغصن، ثم إدخال الغصن بالثقب، ويرو هل سيحصلون على نتيجة ما بعد ذالك، رفض رشيد بدعوى أن هاتفه يحتوي على كل بحوثه وكل ما يخص دراسته، و إن سقط هناك فسيكون في ورطة كبيرة، في تلك الأثناء كانت فاطمة و حنان تتجادلان فيما إن كانا سيأتيان بدورهم لرئية القردة بعد سماع صراخهم أم لا، كانت حنان خائفة، و قالت لفاطمة قد تهاجهمنا القردة عندما نلتقي بها، لكن فاطمة ،أقنعتها بأنه من المستحيل وقوع ذالك، لأنه لو كانت القردة تهاجم البشر، لما تركوها حرة طليقة، وبعد أخد و رد، قررا الذهاب نحو القردة، وهناك إلتقتا بخالد و رشيد، توجه إليهم خالد و طلب منهن ان تعطيه إحداهن هاتفها، وقص عليهم ما حدث مع القردة، و بأنه يشك أنه رأى شخصا ما يقع بالثقب الموجود بالشجرة، في الوهلة الأولى، ضنتا أنهم لصوص و يريدون فقط سرقة هواتفهم، لكن بعد تمعن في ملابسهم و شكلهم، عرفوا بأنهم ليس لصوص، و قالت فاطمة لحنان :لو كانوا لصوصا لأخذوا هواتفنا غصبا و كانوا سيحملون السلاح، لكن بادرت فاطمة بسؤال خالد، ولماذا لم تستعملوا أنتم هواتفكم؟ فأخبرها بأنه ترك هاتفه مع حقائبه عند ضفة الشلال مع صديق له، وان هاتف رشيد به كل بحوثه الدراسية، ولو سقط هناك سيكون بورطة كبيرة، حينها أعطتهم فاطمة هاتفها و ربطه خالد بالغصن، ثم أدخلوه وسط الثقب، لكن رغم ذالك لم يرو شيئا، فقرر خالد الدخول بنصف جسمه داخل الثقب، وطلب من رشيد الإمساك به جيدا.
في تلك اللحظة، كان مراد، على قمة الهضبة يتحدث مع فتاة أجنبية، تخبره بأنها معجبة بشجاعته و عدم خوفه القفز من على هذا الإرتفاع، و أنها رأته من مكان بعيد جدا، ورغم ذالك جائت لتعبر له عن إعجابها بجرئته، لكنه تعجب كيف رأته من تلك المسافة البعيدة جدا !؟ فأخبرته أنها إستعملت منظارا خاصا، ثم أعطته المنظار، و أخبرته بأن يرى مكانا معينا بالغابة، ولما فعل ذالك ، رأى فتيان و فتيات يتعانقن مع بعضهم البعض، كل يعانق الأخر من الخلف، بدأ يدقق جيدا، فرأى أنهم ينسحبون داخل الشجرة، وكل منهم يحاول سحب الأخر خارجها، لكن، في رمشة عين، سقطو جميعا داخل الثقب، و إختفوا، صدم مراد بما رأى، فإلتفت ليخبر الفتاة الأجنبية بما حدث، فكانت صدمته الثانية، إختفت الفتاة، بحث بجوانب الهضبة فلم يجدها، فكاد يجن، لأنه لا يمكن لأي شخص النزول من على الهضبة إلا بعد مرور 20 دقيقة ، وهو كان يتحدث معها خلال دقيقتين فقط، بدأ يفكر و يفكر ثم قال، أعتقد أني كنت أتوهم أنني أتحدث مع فتاة أجنبية، لكن الحقيقة هو أنها لم تكن موجودة، إنها مجرد خيال، وفي هاته اللحضة، نظر ليده ليجد نفسه ممسكا بالمنظار، مما يؤكد له أنها حقيقة وليست خيال، و في الوقت الذي يفكر فيه كيف حصل ذالك، و أين إختفت الفتاة، تذكر أيضا إختفاء الفتيات و الفتيان داخل ثقب الشجرة، فقرر الذهاب هناك ليرى ماذا حدث، وكيف حدث ذالك.

ماذا سيجد عند وصوله ؟ و أين إختفت الفتاة الأجنبية صاحبة المنظار؟