نصف ساحرـــ الجزء الخامس

رأوا عناكب متوحشة ملتصقة بسلسلة النار، شكلها، شكل عناكب، لكنها مصنوعة من النار و بها حراشف توجد عند الأسماك ، ولديها أنياب طويلة و أسنان حادة متراصة كأسنان المشط، حيوان لم يسبق لهم رئيته ولو في الأفلام، كانت تلك العناكب جد مخيفة، هرعوا و تراجعوا للخلف خائفين، قالت فاطمة ما هذا؟ إنه شيء مخيف، وقالت حسناء لقد أخبرتكم إن إحساسي لا يخيب أبدا، قال رشيد : يبدو أن الينبوع كان فخا لنا حتى نقترب لنشرب فتهاجمنا تلك العناكب المتحولة، قال خالد : اقتلها يا مراد، إقضي عليها، فأجابه مراد، لا أدري كيف أقوم بذلك، فالنار لا تأثر عليها لأنها مصنوعة من نار، و الماء أيضا لا يؤثر عليها، لأنها لها حراشف وهي تعيش وسط الماء، قال رشيد : قد لا يتأثر عليها كل من النار و الماء، لكن أظن أنه يمكننا قتلها بصخرة، قالت حنان : كيف ذلك؟ لا يوجد صخر هنا، كما أن عدد العناكب الملتصقة بالسلسلة كبير، و لا ندري هل هناك المزيد منهم بالينبوع أم لا؟ جلس مراد ثم بدأ يحرك سلسلة النار و لفها جيدا حول العناكب حتى إختفت ولم يعد يرون إلا السلسلة وكانها كرة من النار، فرحوا جميعا و ظنوا أنهم قضوا على العناكب، لكن مراد أخبرهم بأن العناكب لم تتأذا نهائيا، وأنه حصرهم فقط بالسلاسل لكتساب بعض الوقت حتى يفكر في الحل، حينها سألت حنان مراد، هل يمكنك أن تصنع بعض المواد بسحرك، اجابها مراد ، نعم لكن ليس جميع المواد بالطبع، فأنا حديث العهد بالسحر كما تعلمين، ثم تابع لكن ماذا تحتاجين؟ ولماذا؟ هل خطرت لك فكرة ما ستساعدنا في القضاء على العناكب؟ قالت نعم، لكن قبل الشرح، هل يمكنك ان تصنع الخل بسحرك؟ قال الخل لا أدري دعني احاول، ركز كثيرا ثم بدأ يكتب تلك الأشكال الهندسية على الحائط ثم يغير بعضها، فعل ذلك عدة مرات، وبعد 5 دقائق قال : أظن أني وجدتها، لكني غير متأكد، قالت فاطمة، لكنك أخبرتنا انك قد تنشئ سلسلة جديدة لا تعلم مدى تأثيرها؟ أجابها هذا صحيح، لكن أعتقد أني بدأت أتعود على قوة سحري كما أنه يمكنه الآن أن يقلص عدد الإحتمالات لعدد بسيط جدا، ثم تابع قوله : لا أدري إن كان كل السحرة يستطيعون فعل ذلك أم لا؟ لكني أشعر الآن أني أستطيع أن أقوم بأي شيء، أحتاج فقط لبعض الوقت حتى أركز فيما أريد و أخفض نسبة الإحتمالات ثم أبدأ، أنذاك، بدأ يحرك يديه يمينا و شمالا في الهواء فبدأت تظهر كرة شفافة بها سائل ما، بعض لحضات، توقف و بقية الكرة تسبح في الهواء، أخبرهم أنها تحتوي على الخل، ثم طلبت منه أن يصنع بيكربونات الصودا، فقام بذلك، بعدها طلبت منه أن يدمج الإثنين في كرة واحدة، فقام بذلك، حينها قالت حنان : الآن سأخبركم بماذا سنفعل، قالت : أكيد أنكم تعلمون كيف نطفئ النار؟ أجابها خالد، نطفئها بالماء، لكننا نعلم أننا لا نستطيع قتل تلك العناكب بالماء لأنها مصنوعة أصلا من الماء إضافة إلى النار، قالت نعم، و أكيد أنكم تعلمون أن النار تحتاج إلى الأكسجين و الذي يوجد بالماء و يوجد أيضا بالهواء، لدى فإن كان هناك حريق مثلا في في الألواح الكهربائية، فإننا لا نستهدم الماء و إنما نستعمل طفّايات الحريق لأنها تحتوي على ثاني أكسيد الكربون و الذي يعزل الأكسين عن النار و بالتالي تنطفئ النار. قالت فاطمة، معلومات قيمة، إذن علينا أن نصنع ثنائي أكسيد الكربون، أجابتها حنان، صحيح وهذا ما سنفعل الآن فبدمج الخل مع بيكربونات الصودا إضافة إلى الماء الموجود بالعناكب سيحدث تفاعل ينتج عنه ثاني أكسيد الكربون والذي بدوره سيعزل الأوكسجين فتنطفأ النار، فرحوا جميعا بهذا الخبر ثم قال خالد : الحمد لله أنك معنا يا حنان، ثم تابع لا أقصد أني سعيد لأنك في مصيبة معنا ولكن قصدت انه بوحودك معنا هنا الآن وجدنا حل القضاء على العناكب، إبتسمت حنان وقالت : لا عليك، وطلبت من خالد صنع كمية كبيرة حتى يستطيع عزل أكبر كمية الأوكسجين و بالتالي إطفاء النار المصنوعة بها العناكب وموتها، صنع مراد كرة كبيرة جدا إحتوت على كل من الخل و بيكربونات الصودا ثم فكك السلاسل على العناكب و سكب عليهم المحلول الذي صنعه، ضهر دخان كثيف حتى لم يعودوا يروا اي شيء وبعض لحضات بدأ الدخان في الإختفاء وهنا كانت المفاجئة، ماذا رأوا يا ترى بعد إختفاء الدخان؟

بدلا من موت العناكب، إنطفائت النار، لكن في المقابل، توحدت جميع العناكب و أصبحت عنكبوت واحد جد ضخم، إنصدم الجميع، و تراجعوا خائفين، لكن عند هروبهم من العنكبوت الضخم، تعثرت حسناء، وسقطت على الأرض، و العنكبوت يقترب منها، توقف الجميع وهم يصرخون، قفي، أهربي ،إنهظي ، لكن مع إقتراب العنكبوت الضخم منها، شلت رجلها من الخوف، ولم تستطع أن تحركهما، بدأت تزحف على بطنها، والعنكبوت يقترب، بدأت حنان بالصراخ و هي تبكي، أهربي، أنذاك ، وصل العنكبوت قرب حسناء ورفع إحدى أرجله التي كانت بدورها جد ضخمة وحادة كالسيف، ثم أنزلها مباشرة نحو ضهر حسناء، بينما إلتفتوا جميعا لبشاعة المنظر الذي سيرون، وهم ينتظرون صراخ حسناء، لكن الغريب هو أنه لم يسمعوا أي شيء،. فلتفتوا ببطئ ليروا موت حسناء متألمين و في نفس الوقت مستغربين من عدم صراخها، فإذا بهم يجدون حسناء قرب الحائط ولم يمسها اي ضر، بينما إختفى العنكبوت الضخم، ولا يوجد سوى كمية مسحوق أسود مكانه، تعجبوا، ما الأمر؟ ماذا حدث، نادت فاطمة على حسناء، هل أنت بخير؟ أجابتها نعم، قال خالد :ما الذي حدث، كيف إنتقلت من مكانك إلى هناك؟ وأين إختفى العنكبوت، أجابتهم حسناء ، لا أدري، كل ما أعرفه أن العنكبوت رفع رجله ليغرسها في ضهرها و أثناء نزول رجله نحوها، أظارت وجهها نحو الأرض وأغمضت عينيها منتظرة موتها، لكن فجأة شعرت كأن نسيم برد خفيف، ففتحت عينيها لتجد نفسها في هذا المكان و لما نظرت إتجاه العنكبوت لم تجده، كان مكانه مسحوق اسود، حينها قال رشيد : أين مراد؟ ثم بدؤوا جميعا ينظرون حولهم وهم يبحثون عن مراد، لكنهم لم يجدوه، قال خالد ، يبدو أن مراد ضحى بنفسه لينقد حسناء، فأبعدها نحو الحائط و ترك العنكبوت يلتهمه، وبعدها إلتهامه إختفى العنكبوت، قالت حنان وهي تبكي، لا لا، هذا غير معقول، لا يمكن لمراد أن يموت الآن، لا يمكن، إنه نصف ساحر، قال رشيد ، لو مات مراد، فسنهلك جميعا هاهنا، و في تلك الأثناء خرج مراد من وسط المسحوق الاسود مبتسما ثم قال : لا تقلقوا، انا هنا لقد وعدتكم أن أخرجكم من هنا، لن أموت حتى أخرجكم،إبتسمت حنان وهي تبكي قائلتاَ : الحمد لله، في تلك اللحظة وبدون سابق إنظار ركضت حسناء نحو مراد وعانقته وهي تبكي، شكرا لك، شكرا لأنك أنقذت حياتي معرضا حياتك للخطر من أجلي، نظر إليها مراد مبتسما وقال، ألم يخبرك قلبك أي شيء هاته المرة، نظرت إليه حسناء و أجابت لم أفهم؟ بماذا سيخبرني، فاجابها مبتسما ستعلمين، سيخبرك فيما بعد؟ هيا بنا الآن، قالت فاطمة، لكن ماذا حدث بالضبط؟ فنحن لا نعلم ماذا حصل وكيف حصل؟ سوى أنه عندما إلتفتنا، وجدنا أن حسناء إنتقلت من مكانها إلى جانب الحائط، و أن العنكبوت إختفى، ومكانه يوجد هذا المسحوق الأسود، أجابهم مراد، في الحقيقة، هذا جزئ من السحر الذي أملكه، رغم أني لا أعلم تماما كيف فعلت ذلك؟ ولا ما هي التعويذة التي إستعملتها، لكني في اللحظة التي رأيت فيها حسناء وهي معرضت للموت أمامي تحرك جسمي تلقائيا و إستعملت تعويذتين في آن واحد، وكانتا واحدة من أجل التحرك ونقل حسناء من تحت رجل العنكبوت، و الثانية حولت العنكبوت لهذا المسحق بعد ضربة واحدة مني في بطنه، إبتسم خالد وقال، أتمنى أن يتفاعل جسمك مع تعرض أي منا للخطر وليس حسناء فقط، ضحكوا جميعا ثم إستمروا في تقدمهم للأمام بحثا عن المخرج، وبعد ساعة من المشي وجدوا حجرا على شكل باب، تقدم مراد وضغط على الباب فإنفتح الباب، فكانت المفاجئة، أرض خضراء في غاية الجمال، أشجار كثيرة و أزهار لم يسبق لبشر أن رأى مثلها، و طيور بألوان جذابة، و كأنك في حلم جميل، فرحت، حنان وقالت : أخيرا خرجنا، وقالت حسناء : ما هذا المكان؟ إنه شيء لا يصدق، لكن رشيد فاجئهم بقوله : لا تفرحوا كثيرا، ما دمنا لم نخرج من أرض السحرة، فمازلنا في خطر، قالت فاطمة : نحن لا ندري هل نحن على أرض بشرية أم مازلنا على أرض السحرة، حينها قال رشيد : بلا نحن على أرض السحرة، فهذه الطبقة الصخرية و التربة الموجود هنا لا توجد على الأرض بل هي قريبة من التي توجد بالمغارة التي كنا بها، قالت حسناء : لكني لا أشعر بأي خطر هنا، قال خالد : مادامت حسناء لا تشعر بالخطر، فهذا يعني أننا بأمان هنا، نظر كل منهم للأخر مبتسيمين فرحين، فبدأت حنان تقفز وتغني وهي ممسكة بيد فاطمة و تخبرها لنستمتع بهاته اللحظة الجميلة، لقد مر علينا وقت نسيت فيه شكل الإبتسامة، لكن مراد قاطع كلامهم قائلا : لا يمكننا البقاء هنا، علينا أن نجد المخرج من هنا، أم تفظلون البقاء هنا طوال حياتكم، نظروا جميعا فيما بينهم، ثم توجهوا وسط الغابة، و أثناء بحثهم عن المخرج، وجدوا شجرة ضخمة، تشبه التي توجد بعالم البشر، قالت فاطمة : أنظروا إلى تلك الشجرة، قال خالد : أظنها ستكون المخرج من هنا، وأكد كلامه رشيد حيث قال : بالفعل، بما أنه هناك نفس الشجرة بالعالمين معا، فهذا يعني و بنسبة كبيرة جدا أنها مخرجنا من هنا، ذهبوا جميعا نحو الشجرة ثم نظر خالد يمينا وشمالا، سألته حسناء، ماذا هناك يا خالد؟ قال بإبتسامة عريضة : أبحث عن القردة لأرى إن كانت ستصرخ أم لا، لكن يبدو بأن لا وجود للقردة بهذا العالم. القى مراد نظرة داخل الثقب المجود بالشجرة، لكنه لم يرى أي شيء، قالت فاطمة : هل ندخل داخل الثقب؟ أجابها مراد، إنتظري ، نحن لسنا أكدين أننا سنخرج لعالم البشر إن دخلنا إلى الثقب، سأذهب أولا حتى إن كان هناك شيء ما، سأواجهه حتى لا تعرضوا للخطر، حينها قالت حنان : وماذ إن كان هناك عوالم أخرى؟ كيف نعلم أنك وصلت لعالم البشر أم لعالم آخر؟ وإن وصلت لعالم البشر علينا ان ننتظر حتى تأتي مرة أخرى من داخل المغارة، وسيأخد ذلك وقت طويل، ربما يهاجمنا الساحر في غيابك، او ربما حيوان ما، قالت حسناء أقترح أن ندخل الواحد تلوى الآخر و هكذا نصل كلنا لنفس الوجهة، سواء كنا سنصل لعالم البشر، او لأي عالم آخر، وافقوا جميعا على ذلك ثم بدأوا يدخلون الواحد تلوى الآخر، كان مراد أول من دخل الثقب و هو أول من وصل، بعد برهة، وصلوا جميعا، لكن هل وصلوا حقا لعالم البشر أم لمكان أخر؟